الخميس، 20 يوليو 2017

نظرية الاستخدامات والاشباعات Uses and gratifications theory


يعتبر مدخل الاستخدامات والإشباعات من المداخل الملائمة في الدراسات الإعلامية، وقد حظي هذا المدخل بالاهتمام من قبل باحثي الاتصال الجماهيري في اربعينيات القرن الماضي،  حيث بدأت بحوث الاتصال تركز على دراسة تأثير مضمون وسائل الاتصال وسلوكيات الجمهور في التعامل مع هذه المضامين ([1]) وظهر منظور جديد للعلاقة بين الجماهير ووسائل الإعلام أحدث تحولا من رؤية الجماهير على أنها عنصر سلبي غير فعال إلى رؤيتها على أنها فعالة في انتقاء رسائل ومضامين وسائل الإعلام ، وهذا الانتقاء يكون وفقا لتبنيهم حوافز تظهر في طريقة اختيارهم المرضي للإعلام ، حيث يختارون ما يتوافق مع هذا الإرضاء ، وهذا ما دفع الباحثين إلى البحث في أنواع الاحتياجات التي يحققها استخدام وسائل الإعلام ، حيث أُجريت دراسات على قراءة الكتب والصحف ، ومشاهدة المسلسلات وأفلام السينما ، والاستماع للراديو والموسيقى الشعبية ؛ وذلك للتعرف على أسباب استخدام الناس لوسائل الإعلام ، والنتائج التي تترتب على ذلك للرأي العام([2]) .
    ويذهب (إدلستين Edelstein وزملاؤه ) إلى أن تأسيس نظرية الاستخدامات والإشباعات جاء كرد فعل على مفهوم " قوة وسائل الإعلام الطاغية " ، حيث تضفي هذه النظرية صفة الايجابية على جمهور وسائل الإعلام ، فمن خلال منظور الاستخدامات لا تعد الجماهير مجرد مستقبلين سلبيين لرسائل الاتصال الجماهيري ، وإنما يختار الأفراد وسائل الاتصال التي يرغبون في التعرض إليها ، ونوع المضمون الذي يلبي حاجاتهم النفسية والاجتماعية من خلال قنوات المعلومات والترفيه المتاحة ، ويرى كاتز وزملاؤه أن منظور الاستخدامات والاشباعات يعتمد على خمسة فروض أساسية ، هي :
1- أن أعضاء الجمهور مشاركون فعالون في عملية الاتصال الجماهيري ، ويستخدمون وسائل الاتصال لتحقيق أهداف مقصودة تلبي توقعاتهم .
2- يعبر استخدام وسائل الاتصال عن الحاجات التي يدركها أعضاء الجمهور ، ويحكم في ذلك عوامل الفروق الفردية ، وعوامل التفاعل الاجتماعي ، وتتنوع الحاجات باختلاف الأفراد .
3- التأكيد على أن الجمهور هو الذي يختار الرسائل والمضمون الذي يشبع حاجاته ، فالأفراد هم الذين يستخدمون وسائل الاتصال ، وليست وسائل الاتصال هي التي تستخدمهم .
4- يستطيع أفراد الجمهور دائما تحديد حاجاتهم ودوافعهم وبالتالي يختارون الوسائل التي تشبع تلك الحاجات .
5- يمكن الاستدلال على المعايير الثقافية السائدة من خلال استخدامات الجمهور لوسائل الاتصال وليس من خلال محتوى الرسائل فقط ([3]) .
ويحقق منظور الاستخدامات والإشباعات ثلاثة أهداف ، هي :
1- السعي إلى اكتشاف كيف يستخدم الأفراد وسائل الاتصال وذلك بالنظر إلى الجمهور النشط الذي يستطيع أن يختار ويستخدم الوسائل التي تشبع حاجاته وتوقعاته .
2- شرح دوافع التعرض لوسيلة معينة من وسائل الاتصال والتفاعل الذي يحدث نتيجة هذا التعرض .
3- التركيز على أن فهم عملية الاتصال الجماهيري يأتي نتيجة استخدام وسائل الاتصال الجماهيري ([4])
عناصر نظرية الاستخدامات والإشباعات :
1- إفتراض الجمهور النشط
2- الأصول الاجتماعية والنفسية لاستخدام وسائل الإعلام
3- دوافع الجمهور وحاجاته من وسائل الإعلام
4- التوقعات من وسائل الإعلام
5- التعرض لوسائل الإعلام
6- إشباعات وسائل الإعلام
وتجدر الإشارة إلى أن العناصر السابقة تتسم بالتداخل الشديد في الواقع العملي ، ويرتبط كل منهما بالأخر ارتباطا وثيقا ([5])
·        افتراض الجمهور النشط : أصبح يُنظر للجمهور على أنه نشيط ينتقي ويختار من رسائل وسائل الاتصال ، ليشبع احتياجاته في النهاية ، ويتوقف ذلك على عنصر المنفعة التي تعود عليه من استخدامه لوسائل الإعلام ، لذلك يتم انتقاء المضامين التي تعكس اهتماماتهم وتفضيلاتهم لخدمة دوافع مختلفة .
·        الأصول النفسية والاجتماعية : وتعني أن الاحتياجات لدى الأفراد والمرتبطة بوسائل الإعلام تنشأ نتيجة تفاعلهم مع بيئاتهم الاجتماعية ومع العوامل المجتمعية الأخرى ، كما تلعب العوامل النفسية والفروق الفردية إلى وجود حوافز ومثيرات لدى أفراد الجمهور من مستخدمي وسائل الإعلام ([6])
·        دوافع الجمهور وحاجاته من وسائل الإعلام : ويقوم مدخل الاستخدامات والإشباعات على افتراض مؤداه أن أفراد الجمهور يقومون باختيارات واعية وقائمة على أساس دوافع محددة بين الوسائل والمضامين الإعلامية المتاحة لهم ، تساهم تلك الدوافع في تشكيل توقعات الفرد من الوسيلة الإعلامية ، كما تساهم في تحديد أنماط التعرض ، ودرجة نشاط الفرد خلال العملية الاتصالية ، وقد توصلت الدراسات التي أُجريت في هذا المجال إلى تحديد مجموعة من الدوافع التي تحفز الأفراد على التعرض لوسائل الإعلام ، منها :
أولا : دوافع لإحداث نوع من التغيير أو التحول : وهي دوافع تتعلق بالترفيه والتسلية والإثارة ، أو إحداث نوع من النفيس والتحرر العاطفي
ثانيا : دوافع تكوين العلاقات الشخصية : وتوجد العديد من الأنماط التي تقع تحت هذه الفئة منها ، علاقات الصحبة : وتعني دخول المتلقي في علاقة مع شخصيات الوسيلة ( مثل الشخصيات الدرامية أو الغنائية أو الفنية ) ، وتسمى هذه العلاقات بعلاقات التوحد أو التقمص  ، وعلاقات المنفعة الاجتماعية : وتعني استخدام الوسيلة بطريقة نفعية لأغراض التفاعل الاجتماعي مع أشخاص الحياة الواقعية المحيطين بنا .
ثالثا : دوافع التعبير العاطفي : حيث يلجأ لهذا النوع من الدوافع الأشخاص الذين يفتقدون الأساليب الواضحة والحرية للتعبير عن مشاعرهم ([7])
وصنف باحثون أخرون دوافع التعرض لوسائل الإعلام بطريقة أخرى ، حيث حدد "جربز " هذه الدوافع في ( التعود ، والاسترخاء ، وقضاء وقت الفراغ ،  والبحث عن رفيق ،  والهروب)([8])
 فيما صنفها "روبن" إلى  قسمين :
أ/ دوافع نفعية : وتستهدف التعرف على الذات واكتساب المعرفة والمعلومات والخبرات ، ومراقبة البيئة التي ترتبط باستخدام مضامين معينة كنشرات الأخبار وبرامج المعلومات
ب/ دوافع طقوسية : وتشبع رغبات الأفراد في تمضية الوقت والاسترخاء والصداقة والألفة مع الوسيلة ، والهروب من المشكلات ، وتنعكس هذه الفئة في المسلسلات والأفلام وبرامج المنوعات والبرامج الترفيهية المختلفة ([9]) .
·        توقعات الجمهور من وسائل الإعلام : وتشير بحوث الاستخدامات والإشباعات إلى أن وسائل الإعلام تحقق مكآفات  يمكن توقعها أو التنبؤ بها من قبل أعضاء الجمهور ، وعلى أساس تجاربهم الماضية مع هذه الوسائل ، وهذه المكافآت يمكن اعتبارها تأثيرات نفسية قام الأفراد بتقييمها([10]) .
·        التعرض لوسائل الإعلام : يعبر زيادة تعرض الجمهور بوجه عام لوسائل الإعلام عن نشاط هذا الجمهور وقدرته على اختيار المعلومات التي تلبي حاجاته ، وتفترض نظرية الاستخدامات والاشباعات أن دوافع الأفراد تؤدي بهم إلى التعرض لوسائل الإعلام حتى يتحقق الإشباع ([11])
·        إشباعات وسائل الإعلام : وتذكر العديد من الدراسات التي استخدمت هذا المدخل العديد من الإشباعات التي تحققها وسائل الإعلام ، منها إشباعات المحتوى ، وإسباعات العملية الاتصالية كالحصول على المعلومات والتسلية قضاء وقت الفراغ ، والهروب ، وإشباعات حاجات التفاعل الاجتماعي ، والإثارة ، ومعرفة ما يفعل الناس في المواقف المختلفة([12])
تطبيق نظرية الاستخدامات والإشباعات في مجال دراسة الوسائل الإعلامية الحديثة:
يعتبر مدخل الاستخدامات والإشباعات من المداخل المناسبة لدراسة عملية الاتصال عبر شبكة الإنترنت ، حيث أنه يساعدنا في الإجابة على تساؤلات ، مثل : لماذا يهتم الناس باستخدام وسيلة اتصال معينة ؟ وماذا يستفيدون من ذلك ، وما الدوافع التي تجعل الأفراد يشاركون في استقبال وارسال وتبادل الرسائل عبر الشبكة ومدى حرص الأفراد على استخدامها والفضول الذي تلبيه لدى مستخدميها([13])
     وتشير الأبحاث الجديدة في مجال هذه النظرية أن الإنترنت – كوسيلة اتصال جديدة – قد دعمت النظرية وفرضت تغيرات متسارعة في بنية وسائل الاتصال بإضافة وسيلة جديدة أكثر تفاعلي وجاذبية للجمهور مما أكد على نشاط الجمهور وانتقائيته ([14]) 
ويمكن استعراض أهم الحاجات التي تستطيع الإنترنت اشباعها لمستخدميها :
1- حاجات معرفية Cognitive Needs : وهي أكثر الحاجات التي تحققها الإنترنت لمستخدميها ، فالإنترنت تضم معلومات عن البيئة والمنتجات والخدمات المختلفة ، ومواقع إلكترونية تعليمية ، وتحرص العديد من الجهات العلمية ومراكز الأبحاث على إتاحة ما لديها من معلومات على شبكة الإنترنت
2- حاجات عاطفية Affective Needs : حيث تضم الإنترنت العديد من المواقع المتخصصة للموسيقى والفن والمسرح ، ومختلف أنواع النشاط الترفيهي
3- حاجات شخصية Personal Integrative Needs : كإتاحة مواقع خاصة بفرص العمل ، ومواقع خاصة بالمهنيين ، ومواقع تساعد المستخدمين للإنترنت على زيادة الثقة بأنفسهم ، والحفاظ على صحتهم .
4- حاجات اجتماعية Social Integrative Needs  : حيث تتيح الإنترنت لمستخدميها سهولة التواصل الاجتماعي في مختلف أنحاء العالم من خلال البريد الإلكتروني وغرف الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي .
5- حاجات هروبية Escaping Needs  : تضم الإنترنت العديد من المواقع التي تحتوى على مختلف أنواع الترفيه والألعاب التي تدعو المستخدم للمشاركة فيها ، كما أنها تقلل من التوتر لدى مستخدميها من خلال التصفح للبحث عن مواقع وخبرات جديدة ([15])



([1]) Robert L. Health and Jennings Bryant (1992) , Human Communication Theory and Research : Concepts Contexts and Challenges (New jersey : Publishers Hillsdale have and London ) , p.282 .
([2]) ماجد سالم تربان (2002) ، استخدامات أعضاء هيئة التدريس وطلاب الجامعات الفلسطينية لشبكة المعلومات الدولية ، رسالة ماجستير غير منشورة ، ( جامعة الدول العربية ، معهد البحوث والدراسات العربية ، قسم الدراسات الإعلامية ) ، صـ 35-36 .
([3]) سامية محمد أبو النصر (2011) ، دوافع استخدام الشباب الجامعي لبعض الصحف الإلكترونية والإشباعات المتحققة منها ، رسالة ماجستير غير منشورة ، ( جامعة عين شمس : معهد الدراسات العليا للطفولة ، قسم الإعلام وثقافة الأطفال ) ، صـ 28-29 .
([4]) حسن عماد مكاوي & ليلى السيد (1998) ، الاتصال ونظرياته المعاصرة ، ط1(القاهرة : الدار المصرية اللبنانية ) ، صـ 242 .
([5]) ليلى حسين محمد ( 1993) ، استخدامات الأسرة المصرية لوسائل الاتصال ومدى الإشباع الذي تحققه ، رسالة دكتوراه غير منشورة ( جامعة القاهرة ، كلية الإعلام ) ، صـ 72 .
([6]) علي محمد القاضي ( 2013) ، دور مواقع الشبكات الاجتماعية في المشاركة السياسية للشباب اليمني ، رسالة ماجستير غير منشورة ، ( جامعة القاهرة ، كلية الإعلام ) ، صـ 104 .
([7]) سامية محمد أبو النصر ، مرجع سابق ، صـ 37-41 .
([8]) محمود حسن إسماعيل (1998) ، مبادئ علم الاتصال ونظريات التأثير ( القاهرة : الدار العلمية للنشر والتوزيع ) ، صـ 255-256 .
([9]) علي محمد القاضي ، مرجع سابق   ، صـ 104-105 .
([10]) سهام نصار (2003) ، استخدامات المرأة المصرية للمجلات النسائية والإشباعات المتحققة منها ، المجلة المصرية لبحوث الرأي العام ، المجلد3 ، العدد1 ، يناير/مارس ، صـ 240
([11]) ماجد سالم تربان ، مرجع سابق ، صـ 44 .
([12]) محمود يوسف السماسيري ( 2012) ، استخدام الشباب الجامعي للمسلسلات التركية وإدراكهم لتأثيراتها : دراسة على عينة من طلاب جامعة اليرموك ، المجلة المصرية لبحوث الإعلام ، العدد41 ، يوليو / سبتمبر ، صـ 466
([13]) نجوى عبدالسلام (1998) ، أنماط ودوافع استخدام الشباب المصري لشبكة الإنترنت : دراسة استطلاعية ، المؤتمر العلمي الرابع "الإعلام وقضايا الشباب "  ( جامعة القاهرة : كلية الإعلام ) ، صـ 93
([14]) محمود يوسف السماسيري ، مرجع سابق ، صـ 466-467 .
([15]) رحاب أحمد لطفي (2014) ، استخدام المكفوفين للإنترنت وعلاقته بتلبية احتياجاتهم التعليمية ، المجلة المصرية لبحوث الإعلام ، العدد 49 ، أكتوبر/ديسمبر ، صـ 454-455 . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الآن كتاب العلاقات العامة والاتصال التفاعلي عبر المواقع الإلكترونية والاجتماعية متوفر نسخة كاملة pdf

 للتحميل أضغط الرابط الأتي  https://drive.google.com/file/d/1gk3njxw_fuYH1T5e48wBtRbeZvDYHK_F/view?usp=sharing