الاثنين، 6 مايو 2019

معامل الثبات ألفا كرونباخ Cronbach's Alpha ، منطقه، وافتراضاته، ومواطن قوته وقصوره، وبدائله.


إن الخوض في دراسة معامل ألفا كرونباخ، كطريقة من طرق تقدير الثبات من منظور الاتساق الداخلي، يقتضي منطقيا توضيح دلالة مصطلح "الثبات"، لإبراز أهمية مفهوم الاتساق Consistency في تعريف "الثبات"، وكذلك لأن مفهوم الاتساق يشكل لحمة وسدى معامل ألفا لتقدير الثبات.
يقضي التعريف المتداول لمفهوم الثبات في كتب التقويم والقياس ، وكتب مناهج البحث في المكتبة العربية، بأن الثبات يتمثل في
* الحصول على نفس النتائج عند إعادة تطبيق مقياس أو اختبار أو أداة مرتين ( أو أكثر)
* في ظروف متشابهة أو متماثلة،
* على نفس الأفراد أو العينة.
فمثلا، يعرف جابر عبد الحميد جابر واحمد خيري كاظم ( 1990، ص: 276ـ277) ، "ثبات" الاختبار بأن " يعطي نفس النتائج إذا ما استخدم الاختبار أكثر من مرة تحت ظروف متماثلة" .
ويعرف ماهر اسماعيل صبري ومحب محمود كامل الرافعي ( 2001، ص: 285 ) " الثبات" بأن " يعطي الاختبار نفس النتائج عند تكرار تطبيقه في قياس نفس الشيء أكثر من مرة وفي ظروف تطبيقية مشابهة".
كما يعرف علي أحمد سيد وأحمد محمد سالم ( 2004، ص: 179 ) الثبات تعريفا مماثلا لكن بصياغة أكثر إجرائية. ففي تصورهما أن "الاختبار الثابت هو الاختبار الذي لو طبق على مجموعة معينة ثم أعيد تطبيقه على مجموعة أخرى متماثلة يعطي نفس النتائج". [1]
وتنطوي هذه الطريقة الشائعة في تعريف الثبات على مشكلة منطقية تقوم على فكرة أن الخاص يعرف العام، أو على توضيح الأصل بالاحتكام إلى الفرع. فتعريفات الثبات السابقة هي ذاتها تعريفات نوع من أنواع الثبات أو طريقة من طرق تقديره وهو تعريف مفهوم الثبات بطريقة الإعادة، غير أن هذا النوع من الثبات يستهدف قياس أخطاء القياس (الأخطاء العشوائية) المنبثقة عن عدم استقرار السمة المقاسة، أو التي مصدرها البعد الزمني المتبنى عند الإعادة، لكنها تقصر دون تقدير أخطاء القياس الناجمة عن الافتقار للتكافؤ (كما هو الشأن في الثبات بطريقة الصور المتكافئة)، أو تلك الناجمة عن مدى الافتقار إلى الاتساق (كما هو الشأن في الثبات عن طريق التجزئة النصفية، والثبات عن طريق التجانس أو الاتساق الداخلي).
يمثل التعريف المتداول لمفهوم الثبات ـ إذن ـ طريقة واحدة من طرق تقدير الثبات دون الطرق الأخرى، مع العلم بأن الطرق الأخرى التي لا يمثلها هذا التعريف الشائع تركز على تقدير الأخطاء العشوائية الناجمة عن الافتقار للتكافؤ والافتقار للاتساق؛ وهي مصادر الأخطاء التي لا تقوى على تقديرها طريقة الإعادة التي شكلت أساسا أو أرضية للتعريفات المتداولة عن الثبات.
كما أن تعريف الثبات بناء على تشابه النتائج عند الإعادة غير دقيق، إذ يكفي أن يحتفظ الأفراد برتبهم، رغم اختلاف درجاتهم بين التطبيق الأول والإعادة، ليتحقق مستوى ثبات مرتفع أو تام.
فمعامل الارتباط بين درجات التطبيق الأول والتطبيق الثاني للاختبار يتأثر إذا اختلف موقع الفرد أو رتبته بالنسبة لبقية درجات الأفراد، ولا يتأثر باختلاف الدرجات بين التطبيقين إلا إذا أثر ذلك في رتب الأفراد. أما إذا اختلفت الدرجات (ارتفعت مثلا في التطبيق الثاني) ، وبقيت رتب الأفراد ثابتة فإن معامل الارتباط لا يتغير.
وبالتالي لكي يكون تعريف الثبات القائم على نموذج الإعادة دقيقا فنيا، فلا بد من التركيز على مدى تماثل رتب الأفراد أو مواقعم بين التطبيقين للاختبار بدلا من التركيز على تشابه الدرجات ذاتها.
ولعل التعريف الذي يقترب من طبيعة مفهوم الثبات هو التعريف الذي يركز على خاصية اتساق درجات أداة القياس، سواء أكان ذلك عن طريق اتساق درجات المقياس عبر الإعادة، أو من صورة إلى أخرى، أو اتساق درجات نصفي المقياس أو أجزائه، أو اتساق درجات فقرات المقياس. إذ تشير الكتابات المرجعية المتخصصة في هذا الشأن (eg .Cronbach, 2004; Thompson & Vacha-Haase, 2000; Onwuegbuzie & Daniel, 2002; Sawilowsky, 2000 .) بأن مفهوم الثبات يدل على مدى اتساق درجات المقياس أو دقتها [2] .
وتوضح أنازتزي (Anastasi & Urbina, 1997) بأن مفهوم الثبات استعمل استعمالا متنوعا ليغطي جوانب أو أبعاد مختلفة لاتساق الدرجات. فالثبات في مفهومه العام، وفقا لأنازتزي، يدل على مدى دلالة تباين درجات الأفراد الذين أجري عليهم المقياس على الفروق الحقيقية في السمة أو الصفة المقاسة، أي مدى الاتساق في درجات المقياس؛ وأيضا على مدى دلالة تباين هذه الدرجات على أخطاء الصدفة أو الأخطاء العشوائية أي مدى افتقار الدرجات للاتساق.[3؛ ص 38 ]
ولما كان الثبات يستهدف تقدير مدى التباين المتسق أو المنتظم في الدرجات، لذلك نجد أن الدليل الإرشادي أو المعياري للقياس التربوي والنفسي الذي اضطلعت بإصداره لجنة مشتركة ينتسب أفرادها المختصون إلى ثلاث منظمات علمية متخصصة قد عرف مفهوم الثبات بمقدار أو مدى خلو درجات المقياس من أخطاء القياس.( 1985 :N.C.M.E & A.P.A & A.E.R.A ) [ 4 ]. واعتمادا على هذا التعريف يوضح صلاح الدين محمود علام ( 2000) بأن مفهوم ثبات درجات الاختبارات يقصد بها مدى خلوها من الأخطاء غير المنتظمة التي تشوب القياس، أي مدى قياس الاختبار للمقدار الحقيقي للسمة التي يهدف لقياسها.[ 5؛ ص 131]
نستخلص مما سبق، أن الثبات يعنى بالتباين المتسق للدرجات Systematic Score Variance، أو نسبة هذا التباين المتسق إلى التباين الذي تنطوي عليه درجة الاختبارأو المقياس أو الأداة بشقيه التباين المتسق أو المنتظم (الدرجة الحقيقية True Score) والتباين غير المتسق أو غير المنتظم Unsystematic/Random Variance (الخطأ العشوائي للقياس Random Errors ).
أو بتعبير مرادف ومقتضب، يدل الثبات على مدى خلو درجات أداة القياس أو التقدير من الأخطاء العشوائية أو غير المنتظمة.
ويتم تقدير الثبات بناء على أربع طرق أو نماذج:
* طريقة الإعادة التي تستهدف تقدير استقرار الدرجات،
* وطريقة الصور المتكافئة التي تستهدف تقدير التكافؤ،
* وطريقة التجزئة النصفية التي تستهدف تقدير الاتساق ،
* وأخيرا طريقة الاتساق الداخلي التي تستهدف تقدير التجانس والاتساق.
ولقد كانت طريقة التجزئة النصفية باستعمال تصحيح سبيرمان - براون ، وإلى عهد قريب، أكثر طرق تقدير الثبات استعمالا لأسباب عملية في الغالب إذ تقوم على إجراء واحد للأداة، ولا تتطلب جهدا حسابيا كبيرا. ومع تطور الحزم الإحصائية وانتشارها ولا سيما حزمة SPSS ، أضحت طريقة الاتساق الداخلي ممثلة في المعادلة العامة المعروفة بمعامل ألفا كرونباخ Coefficient Alpha / Cronbach’s Alpha أكثر شيوعا واستعمالا بدون منازع في البحوث.
وعلى الرغم من الإقبال المستمر على استعمال معامل ألفا ، بحيث لا يكاد يخلو بحث أو رسالة ماجستير أو دكتوراه من التطرق إلى طريقة التجانس أو الاتساق الداخلي عند تقدير ثبات الأدوات، ممثلة في معامل ألفا لكرونباخ، فإننا نلاحظ كثيرا من القصور في فهم منطق معامل ألفا وإمكانياته وحدوده، كما نلاحظ إهمالا تاما للافتراضات Assumptions التي يقوم عليها المحددة لشروط استعماله، والتي قد تسفر عند عدم مراعاتها عن تقديرات غير دقيقة للثبات.
وقد تتعدى الظاهرة الباحثين غير المتخصصين في القياس إلى مدرسي القياس النفسي والتربوي. ففي إحدى جلسات استعراض خطط بحوث الماجستير لإبداء الملاحظات عليها من طرف الأساتذة الحاضرين، ثار جدل حول رأي أبداه أحد أساتذة مدرسي القياس والإحصاء يجزم فيه بأن قيمة معامل الاتساق الداخلي يجب ألا تزيد عن ( 0.7 )، مدعما رأيه بصورة استنسخها من كتاب : "قياس الشخصية" لمؤلفه أحمد عبد الخالق؛ إذ يذكر المؤلف في كتابه السابق تحت عنوان: " في وجوب عدم ارتفاع معامل الاتساق الداخلي"، ما يلي:
"يسعى معظم مؤلفي الاستخبارات إلى الحصول على معاملات ثبات قسمة نصفية أو اتساق داخلي مرتفعة. ولكن النظرية السيكومترية الحديثة تؤكد ضرورة الاحتفاظ بتجانس البنود (كما تقاس بالاتساق الداخلي) عند مستوى متوسط بحيث لا يزيد على 0.7 تقريبا. وذلك حتى يضيف كل بند جانبا جديدا من المعلومات، مما يرفع من تنوع عينة السلوك المسحوبة واتساعها." [6؛ ص50]
هذا الموقف يبرز مدى التأثير الكبير الذي تمارسه بعض المراجع الواسعة الانتشار ككتاب "قياس الشخصية" على القراء سواء أكانوا من المتخصصين أم من غير المتخصصين من الباحثين؛ لا سيما إذا كانت بعض الأفكار غير دقيقة كما هو الأمر في الاستشهاد السابق. فذكر موقف "النظرية السيكومترية الحديثة" كلام عام ومبهم يغري القاريء بقبول الرأي على عواهنه، رغم افتقاره إلى التحديد والتوثيق.
وتعليل وجوب انخفاض معامل الاتساق الداخلي عن قيمة (0.7 ) وألا يتعداها، لكي يساهم كل بند بجانب جديد من المعلومات، حجة تتعلق أساسا بالصدق بدلا من الثبات. فمساهمة كل بند في إثراء المفهوم موضوع القياس عملية متسقة تتخذ منحى منتظما وغير عشوائي، ولذلك تساهم في الرفع من التباين المنتظم أو المتسق الذي يفترض فيه أنه يعكس السمة المقاسة أو جوانب منها. وتقدير مدى انطواء أو "تلوث" التباين المنتظم الذي يفترض فيه أنه يمثل السمة المقاسة بالخطأ المنتظم الذي يستعصي تمييزه عن التباين المنتظم الحقيقي، أمر يضطلع به الصدق.
أما الثبات فلا يقوى على الكشف عن الأخطاء المنتظمة وإنما يعنى أساسا بتقدير مدى انطواء درجات المقياس على الأخطاء العشوائية. والأخطاء العشوائية تختلف عن الأخطاء المنتظمة لأنها لا ترتبط بالقوام النظري، أو بالمحتوى الدلالي للمفهوم، وإنما ترتبط بمصادر خارجية متذبذبة كالحالة الصحية والمزاجية للمفحوص، وظروف تطبيق المقياس وغيرها.
إن ما أوردته يمثل مثالا فقط من أمثلة عديدة عن الأفكار النمطية المنتشرة التي تفتقر إلى الدقة عن معاملات الاتساق، والتي لا يعدم القاريء مصادفتها في بعض كتب القياس وكتب مناهج البحث. ولذلك، فإن التطرق إلى بعض قضايا معامل ألفا لتقدير الاتساق الداخلي وتوضيحها، ومنها توضيح البنية المنطقية لمعامل ألفا، للوقوف على افتراضاته ومسلماته والعوامل التي تؤثر في قيمته، وتناول نماذج القياس وافتراضاتها ذات العلاقة بمدى دقة معامل ألفا، وتوضيح متى يكون معامل ألفا دقيقا في تقدير الثبات، ومتى يفتقر إلى الدقة المنشودة، والتطرق إلى بعض المعاملات البديلة الأخرى عند عدم توفر الافتراضات التي يتطلبها معامل ألفا في بيانات القياس؛ قد يساهم في توضيح الرؤى والتصورات، وفي تغيير الأفكار النمطية غير الدقيقة، وفي تشجيع التناول التقويمي الناقد كلما تعلق الأمر بتوظيف معامل ألفا لكرونباخ في تقدير الثبات وتأويله.
وتتجلى أهمية الدراسة الحالية فيما يلي:
1ـ غياب البحوث العربية التي استهدفت تحليل البنية المنطقية والإحصائية لمعامل ألفا، ومعالجة الافتراضات التي تقوم عليها، وتحليل إشكالية تذبذب دقة معامل ألفا في تقدير الثبات.
2ـ الاستعمال الواسع لمعامل ألفا في البحوث ورسائل الماجستير والدكتوراه.
3ـ عدم مراعاة الافتراضات التي يتطلبها الاستعمال السليم لمعامل ألفا في تقدير الثبات في عديد من البحوث، رغم شيوع استعماله.
4ـ توضيح الكيفية التي تمكننا من فهم دقيق لمعامل ألفا بالاحتكام إلى التحليل المنطقي (الاستنتاجات القائمة على التحليل والاستدلال والمحاكمةReasoning ) بدون التركيز المطلق على التحليل الرياضي له.
5ـ تطوير وعي القاري بمواطن دقة معامل ألفا، ومواطن قصوره.
6ـ تطوير مهارة الدارس أو الباحث في قراءة نتائج معامل ألفا قراءة ناقدة وتقويمية. مثلا، هل معامل ألفا المرتفع يدل بالضرورة على ارتفاع الاتساق الداخلي، أم يدل على تأثير طول الاختبار، أم هو نتيجة التشابه الكبير بين الأسئلة التي تتفق في الدلالة رغم اختلاف الصياغة؟
7ـ التعرف على بعض الطرق الأخرى (المعاملات الأخرى) البديلة التي لا تتطلب توفر افتراضات صارمة في واقع بيانات القياس، مقارنة ببعض افتراضات معامل ألفا الصارمة، والتي تعطي تقديرا دقيقا نسبيا للثبات.

                                                     أ.د/ أمحمد تيغزة أستاذ القياس والتقويم في الجامعات السعودية والجزائرية

الآن كتاب العلاقات العامة والاتصال التفاعلي عبر المواقع الإلكترونية والاجتماعية متوفر نسخة كاملة pdf

 للتحميل أضغط الرابط الأتي  https://drive.google.com/file/d/1gk3njxw_fuYH1T5e48wBtRbeZvDYHK_F/view?usp=sharing