الاثنين، 29 أبريل 2019

تأثير صورة الرؤساء على صورة البلدان التي يحكموها وعلاقة ذلك بوسائل الإعلام


تظل معرفتنا عما حولنا محدودة بحدود حواسنا الخمس، وتتشكل هذه المعارف من خلال التعامل والتجربة المباشرة، فيما تتشكل معارف أخرى من خلال ما يصلنا عبر الأخرين أو عبر وسائل الإعلام، فمن أين أتت معرفتنا عن الدول البعيدة عنا في المشرق والمغرب على سطح هذه الكرة الأرضية؟ لا يوجد شك بأن هذه المعرفة تشكلت عبر وسائل متعددة، وأبرزها وسائل الإعلام، إذن وسائل الإعلام هي من تصنع الصورة الجذابة للدول وفي نفس الوقت هي من تهدمها إلى جانب معززات أخرى كحدوث الأزمات والكوارث وانتشار الجريمة والحروب والتي تعمل وسائل الإعلام على ترويجها لتنقل الصورة السوداء عن بلد ما.
  وإذا كانت الصورة السلبية للدول تشكلها وسائل الإعلام عبر ما تنقله من أخبار الكوارث والحروب؛ فإن الصورة الجذابة التي تجعل من الدولة جذابة للاستثمار والسياحة هي الأخرى تشكلها وسائل الإعلام عبر نقلها للتطورات الاقتصادية والتعايش السلمي وقيم الديمقراطية السائدة في بلد ما، لكن ماذا عن تأثير صورة رؤساء الدول وانعكاسها على صورة الدول التي يحكموها.
  في دراسة حديثة أطلعت عليها مؤخرا، كانت للباحثتين ديانا إنجنهوف Diana Ingenhoff سوزان كلاين Susanne Kleinمن (جامعة فريبورج – سويسرا)، تختبر لأول مرة باستخدام المنهج التجريبي تأثير صورة القادة السياسين على الصورة الوطنية لبلدانهم، خلصت إلى وجود تأثير كبير لنزاهة القائد السياسي وكفاءته وجاذبية شخصيته (الكاريزما) على صورة البلد الذي يحكمه.
   لكن مالذي يجعل صورة الرئيس أو القائد السياسي تؤثر بهذه الدرجة على صورة الدولة؟ لكشف هذا السبب يحدثنا بالماس وشيفر Balmas & Sheafer إلى إن ذلك يرجع إلى إضفاء الطابع الشخصي على التقارير الإخبارية في وسائل الإعلام في الفترات الأخيرة، ويرجع سبب هذا التحول في التقارير الإخبارية الدولية من التركيز على البلد إلى الاهتمام بقيادته إلى محاولة وسائل الإعلام تبسيط معالجة المعلومات المعقدة، ونتيجة لذلك فإن صورة البلد في وسائل الإعلام في الخارج تصبح إلى حد كبير إنعكاس لصورة قائدها، فضلا عن أن القصص الإخبارية المرتبطة بصورة السياسيين ترتبط ارتباطًا قويًا بصفاتهم الشخصية، وتكون أكثر إثارة للاهتمام، ما يجعل المتابع أكثر تقبلاً للمعلومات المقدمة.
  ويرى بعض الباحثين بأن تأثير صورة القائد السياسي على صورة بلده يمكن تفسيرها من الناحية النفسية من خلال نظرية الشبكة المتداخلة (المترابطة) Associative Network Theory ، حيث أن مدركات الناس لمفهومين يمكن ربطها في أذهانهم، وبخاصة عندما يكون المفهومان متداخلين كما هو الحال في مفهومي صورة القائد السياسي وصورة البلد.
   منهجية الدراسة (Methodology) اعتمدت على الأسلوب التجريبي وذلك بتصميم صحيفة وهمية تسمى "الأخبار الدولية" وبشكل يشبه إلى حد كبير صحيفة واقعية عبر الإنترنت، وتم اختيار رئيسة وزراء الدنمارك وملك مملكة السويد كقائدين سياسيين لمعرفة انعكاس صورتهما على صورة بلدانهما، وفي الصحيفة تم إعطاء فكرة عامة حول القائدين، كما تضمنت معلومات حول الأبعاد الثلاثة لصورة القائد السياسي (معرفي وظيفي، معرفي إجتماعي، عاطفي)، وتم ارسال الصحيفة عبر منصة الوكالة الألمانية Clickworker على الإنترنت إلى عينة من المبحوثين في المانيا وسويسرا، حيث أكدت النتائج وجود تأثير كبير لصورة القائدين على صورة بلدانهم لدى المبحوثين في سويسرا والمانيا، وجاء تأثير نزاهة القائد السياسي في المرتبة الأولى يليها كفاءة القائد ثم كاريزما القائد.
  وبما أن هذه الدراسة هي الأولى التي استخدمت المنهج التجريبي، وأثبتت وجود تأثير لصورة القائد السياسي على صورة بلده، فإن نتائجها قد يعزيها البعض إلى طبيعة الدراسة كونها تجريبية، وقد لا تنطبق نتائجها على الدراسات المسحية؛ لكن المثير للاهتمام أن هناك دراسات أخرى مسحية تؤكد نتائج هذه الدراسة، ومنها على سبيل المثال دراسة أجراها جولان ويانج Golan and Yang تقيس تأثير صورة الرئيس باراك أوباما على مدركات الباكستانين تجاه الولايات المتحدة ، وخلصت الدراسة إلى وجود هذه التأثير، كما وجد بالماس في العام 2018 من خلال إحدى دراسته إلى أن سمات القائد السياسي يتم اسقاطها من قبل الأجانب على سمات مواطني الدولة التي يحكمها ذلك القائد، وتوصلت دراسة أخرى إلى أن سمعة الصين لدى بعض الكوريين انخفضت بعد أن عُرضت عليهم صورة اثنين من الرؤساء الصينيين.

الآن كتاب العلاقات العامة والاتصال التفاعلي عبر المواقع الإلكترونية والاجتماعية متوفر نسخة كاملة pdf

 للتحميل أضغط الرابط الأتي  https://drive.google.com/file/d/1gk3njxw_fuYH1T5e48wBtRbeZvDYHK_F/view?usp=sharing