هذا العنوان لكتاب صدر عام 1954م لمؤلفه داريل هوف، وحقق نسبة عالية من المبيعات، ومازال للآن يحقق مبيعات جيدة.
لا يُقصد من العنوان استخدام الإحصاء أو البيانات الكاذبة، وإنما تدور الفكرة العامة للكتاب حول كيف يمكن توظيف البيانات والإحصاءات الحقيقية بطريقة مضللة تخدم أهداف معينة، أو تستخدم لتوجيه الرأي العام.
صحيح لا يمكن الاستغناء عن الإحصاء والقياسات في عالم اليوم، لكن هذه الإحصاءات قد تكون مُضللة وخادعة عندما يتم قراءتها بشكل خاطئ، أو تفسيرها على نحو غير مناسب. فاللغة السرية للإحصاءات برغم أنها جذابة، لكن قد يتم توظيف جاذبيتها وحقائقها للإثارة والتشويه والتضخيم والالتباس والتبسيط المبالغ فيه.
لنرى بعض المظاهر الخداعة لاستخدام الإحصاء كما ذكرها داريل هوف.
(1) العينة المُتحيزة: للعينة شروط في الاختيار والعشوائية، ولكن بعض العينات تكون متحيزة في عملية الاختيار، أو حتى في نسبة الاستجابة التي قد تؤثر على النتيجة، يضرب المؤلف هنا مثال بأن أحد الاستطلاعات وزع 25000 مفردة رد منهم على الاستمارة 2219 مفردة أي أن نسبة الاستجابة لا تتجاوز 9% من العينة المختارة عشوائيا، وكان الاستطلاع على عينة من البروتستانت حول تحول الكاثوليكيين إلى البروتستانتية، أقرَّ المستجيبون بتحول 51361 كاثولوكيا إلى البروتستانت، وبناء على النتيجة تم توقع تحول 4 مليون كاثولوكيا إلى البروتستانت، مع أن العدد الإجمالي للكاثولوكيين لا يتجاوز 2 إلى 3 ملايين في المدينة. ويعود التلاعب هنا بالإحصاءات إلى التوقع بالاستناد على العينة الكاملة، مع أن 91% لم يردوا على الاستبيان، والاحتمال المنطقي أن أغلب من لم يرد على الاستبيان فعل ذلك لعدم وجود متحول واحد من الكاثوليك إلى البروتستانت في كنسيته، وبالتالي فإن الاحتمال المتوقع على العينة كاملة 4 ملايين سينخفض إلى 370 ألف. وربما أن القائم على الاستطلاع بروتستانتي وبالتالي ضخَّم البيانات بالتوقع على العينة كاملة بدون مراعاة نسبة من لم يرد على الاستطلاع.. بالطبع الإحصائيون سيدركون حقيقة هذه الأرقام ويفندوها لكن القارىء العادي لا يعرف ما وراء الأرقام.
(2) المُعدل: يشير المُعدل إلى قيم النزعة المركزية (المتوسط والوسيط والمنوال)، وكل منها تختلف عن الأخرى في طريقة حسابها، فالمتوسط مجموع القيم على عددها، والوسيط القيمة التي تتوسط القيم بعد ترتيبها، والمنوال القيمة الأكثر تكرارا، وبالطبع قيم كل واحدة منها يختلف عن الأخرى، لكن صاحب الاستطلاع قد يختار قيمة واحدة منها، وبالذات القيمة التي تدعم حجته وسيعتبرها معدلا. ثم إن بعض هذه المقاييس تتأثر بالقيم الشاذة، على سبيل المثال يتأثر المتوسط بالقيم الشاذة، فلو كان لديك في شركة 10 موظفين ومدير، يستلم كل موظف 1000 دولار شهريا، بينما يستلم المدير 50 ألف دولار، وأردت حساب متوسط راتب الموظفين، ودمجت راتب المدير معهم (قيمة شاذة)، سيكون متوسط راتب الموظفين شهريا (5454) ألف دولار، وستعلن كصاحب عمل أو مالك للشركة بأن معدل راتب الموظفين يزيد عن 5 ألف دولار، في حين أنه في الحقيقة لا يتجاوز ألف دولار.
(3) الأرقام والعينات الصغيرة: يضرب المؤلف هنا مثالا، لإجراء شركة معجون اسنان دراسة تجريبية على عدد صغير من الناس، وتقوم بمراقبتها خلال ستة أشهر لمتابعة تأثير معجون الأسنان على التسوس، والنتيجة لن تخرج عن الأتي (زيادة التسوس، ظل التسوس كماهو، انخفاض التسوس)، وفيما لو حصلت على النتيجة الأخيرة ستظهر الأرقام، أما لو حصلت على النتيجة الأولى والثانية فستخفي الأرقام وكأن شيئا لم يكن، وستجري دراسة أخرى على مجموعة تجريبية أخرى، وقد يحصل تحسن طفيف وربما لم يكن سببه معجون الاسنان التابع للشركة، وربما لو هناك مجموعة تجريبية أخرى استخدمت معجون أسنان عادي أو معجون لشركة أخرى قد يحصل نفس التحسن الطفيف، ومع ذلك ستقيم الشركة حملة إعلانية ضخمة حول نتائج الدراسة التي أجرتها على هذه العينة الصغيرة. وكما هو معروف في العينات الصغيرة يزداد التباين، فلو رميت حجرة النرد عشر مرات وحصلت على الصورة ثمان مرات، قد لا تحصل على الصورة 80 مرة إذا رميت حجرة النرد 100 مرة.
(4) التضليل باستخدام الرسوم البيانية: في هذه الحالة قد يتم استخدام الرسوم البيانية لإبراز جانب مهم بالنسبة للناشر، على سبيل المثال، حصل تحسن في زيادة الدخل الوطني بنسبة 10%، وعند رسمها بيانيا، على محور س و ص، قد يتم حذف الجزء السفلي من الرسم البياني حتى لا تظهر كمية الزيادة على حقيقتها في رأس الرسم البياني، كمثال توضيحي: صورتان لرسم بياني اسفل المقالة
(5) الرسوم ثلاثية الأبعاد: قد يستعاض عن المنحنيات والمدرجات التكرارية باستخدام الرسوم الثلاثية الأبعاد، فمثلا عند تمثيل الزيادة في الرواتب خلال عام في شركة ما، قد تكون الزيادة 100%، بحيث تصبح رواتب العام الحالي ضعف رواتب العام المنصرم، ويمكن تمثيل ذلك بمدرج تكراري أو منحنى يظهر الزيادة بصريا على حقيقتها، وقد يستعاض برسوم ثلاثية الأبعاد على سبيل المثال عرض كيس نقود يمثل العام الماضي وكيس أخر يمثل العام الحالي، ويتم تضخيم كيس نقود العام الحالي، بشكل يزيد عن الضعف، ممايترك انطباعا بصريا مبالغا فيه، للتوضيح صورة المدرج التكراري وبجواره كيسي النقود أسفل المنشور.
(6) الأرقام غير المرتبطة بشكل مباشر بموضوعك: قد توظف الأرقام لخدمة موضوعك رغم عدم ارتباطها بشكل مباشر بالموضوع، فقد يقوم صيدلاني بتحضير دواء يزعم أن يقضي على نزلات البرد، ويؤكد من المختبر بأن 100 جرام منه تقضي على 30 ألف جرثومة، خلال عشر ثواني، لكن من يدري ماهي الجراثيم، وهل لها علاقة بنزلات البرد أم لا، وهل سبب قتل الجراثيم هو الدواء أم مُطهر فعال يعمل في أنبوية الاختبار، وقد يتم تخفيفه بحيث لا يأثر على الإنسان ولا يضر بأنسجة الحلق إذا تم تناوله. وبنفس الطريقة قد تعرض نسب مئوية لحالات الحوادث في الطقس الصافي والطقس الضبابي، وتظهر أن نسبة الحوادث في الطقس الصافي أكثر من نسبتها في الطقس الضبابي، الأرقام والنسب صحيحة، لكن السبب يعود لكون أغلب أيام السنة طقسها صافيا، بينما أيام قليلة كانت ضبابية، وبالتالي جاءت الحوادث أكثر في الطقس الصافي، ولو تم توزيعها بالنسب اليومية لاختلف الأمر بدلا من توزيعها بالنسب السنوية.
(7) العلاقات مقابل الأثر (السببية): قد تحصل على نتيجة وجود ارتباط ايجابي بين متغيرين (أ، وب) وتذهب إلى تفسير أن المتغير (أ) يؤثر على المتغير (ب)، على الرغم أنك استخدمت هنا اختبارات إحصائية لقياس الارتباط، والتي تعني وجود ارتباط بين الاثنين لكن هذه الاختبارات لا تعطي نتيجة حول أيهما يؤثر في الأخر، فقد يكون المتغير (ب) هو الذي يؤثر في (أ)، وقد يكون السبب أن كلاهما ناتج عن مسبب خارجي. وقد تظهر ارتباطات بين متغيرين ليس بينهما أية علاقة منطقية أو مبررة.
(8) التلاعب بالنسب المئوية وإخفاء الأرقام: قد تكون الأرقام الحقيقة قليلة، وبالتالي يتم إخفاؤها وإظهار النسب المئوية، على سبيل المثال: اهذا العام سجَّل 3 طلاب بقسم علم النفس، أحد هؤلاء الطلاب يعمل، فتأتي إحدى الصحف لتنشر 33% من الطلاب الملتحقين بقسم علم النفس هذا العام يعملون بينما 66% لا يعملون، أو ثلث الملتحقين بقسم علم النفس يعملون، والحقيقة أن عدد الطلاب صغيرا (3 طلاب) تم إخفاء الرقم، وإظهار النسب، وفيما لو كان العدد مضاعف عشر مرات (30) طالبا، قد لانجد الثلث 10 طلاب يعملون.
يقدم الكاتب في نهاية الكتاب خمسة أسئلة لتجنب الوقوع في مصيدة الإحصائيات، هي:
· من قال هذا؟
· وكيف تم معرفة ذلك؟
· وما المفقود في البيانات؟
· هل قام أحدهم بتغيير البيانات؟
· هل لهذه البيانات معنى؟
تم الاستناد في كتابة هذه المقالة لقراءات حول الكتاب باللغة الإنجليزية، إلى جانب مقالة للأستاذ الدكتور فضيل دليو (2020)، منشورة بالعربية في المجلة الجزائرية للعلوم الإنسانية والاجتماعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق